فصل: عبد الله بن عامر بن كريز:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (نسخة منقحة)



.عبد الله بن عامر بن كريز:

بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي، ابن خال عثمان بن عفان. أم عثمان أروى بنت كريز وأمها وأم عامر بن كريز البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب. وأم عبد الله بن عامر بن ربيعة دجاجة بنت أسماء بن الصلت، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير فقال: «هذا شبهنا»،وجعل يتفل عليه ويعوذه، فجعل عبد الله يتسوغ ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لمسقى»، فكان لا يعالج أرضًا إلا ظهر له الماء.
قيل: لما أتي بعبد الله بن عامر بن كريز إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني عبد شمس: «هذا أشبه بنا منه بكم»، ثم تفل في فيه، فازدرده، فقال: «أرجو أن يكون مسقيًا»، فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أتي عبد المطلب بن هاشم بأبيه عامر بن كريز وهو ابن ابنته أم حكيم البيضاء فتأمله عبد المطلب، وقال: ما ولدنا ولدًا أحرص منه، وكانت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم تحت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فولدت له عامرًا أبا عبد الله بن عامر هذا. وقد روى عبد الله بن عامر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أظنه سمع منه ولا حفظ عنه.
ذكر البغوي، عن مصعب الزبيري، عن أبيه عن مصعب بن ثابت عن حنظلة بن قيس عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن كريز، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد». رواه موسى بن هارون الحمال، عن مصعب بإسناده سواء.
قال الزبير وغيره: كان عبد الله بن عامر سخيًا كريمًا حليمًا ميمون النقيبة كثير المناقب هو افتتح خراسان وقتل كسرى في ولايته وأحرم من نيسابور شكرًا لله تعالى وهو الذي عمل السقايات بعرفة.
قال صالح بن الوجيه، وخليفة بن خياط: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمع ذلك كله لعبد الله بن عامر بن كريز. وقال صالح: وهو ابن أربع وعشرين سنة.
وقال أبو اليقظان: قدم ابن عامر البصرة واليًا عليها، وهو ابن أربع أو خمس وعشرين سنة ولم يختلفوا انه افتتح أطراف فارس كلها وعامة خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان وهو الذي شق نهر البصرة ولم يزل واليًا لعثمان على البصرة إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه وكان ابن عمته لأن أم عثمان أروى بنت كريز ثم عقد له معاوية على البصرة ثم عزله عنها وكان أحد الأجواد أوصى إلى عبد الله بن الزبير، ومات قبله بيسير، وهو الذي يقول فيه زياد يرثيه:
فإن الذي أعطى العراق ابن عامرٍ ** لربي الذي أرجو لستر مفاقري

وفيه يقول زياد الأعجم:
أخ لك لا تراه الدهر إلا ** على العلات بسامًا جوادا

أخ لك ما مودته بمزقٍ ** إذا ما عاد فقر أخيه عادا

سألناه الجزيل فما تلكا ** واعطى فوق منيتنا وزادا

وأحسن ثم أحسن ثم عدنا ** فأحسن ثم عدت له فعادا

مرارًا ما رجعت إليه إلا ** تبسم ضاحكًا وثنى الوسادا

.عبد الله بن العباس:

بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي. يكنى أبا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول الواقدي والزبير. قال الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر: ولد عبد الله بن العباس في الشعب قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. وروينا من وجوه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعني المفصل. هذه رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير. وقد روى عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ختين أو قال مختون. ولا يصح والله أعلم.
وقد حدثنا عبد الله، حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سليمان بن داود حدثنا شعبة عن ابن إسحاق قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال أبي: وهذا هو الصواب. وقال الزبيري: يروى عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه قال في حجة الوداع: وكنت يومئذ قد ناهزت الحلم.
قال أبو عمر: وما قاله أهل السير والعلم بأيام الناس عندي أصح، والله أعلم، وهو قولهم إن ابن عباس كان ابن ثلاث عشرة سنة يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومات عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلى الطائف، ومات بها وهو ابن سبعين سنة وقيل ابن إحدى وسبعين سنة. وقيل: ابن أربع وسبعين سنة وصلى عليه محمد ابن الحنفية وكبر عليه أربعًا وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة، وضرب على قبره فسطاطًا.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال لعبد الله بن عباس: «اللهم علمه الحكمة وتأويل القرآن». وفي بعض الروايات: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل». وفي حديث آخر: «اللهم بارك فيه، وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين». وفي حديث آخر «اللهم زده علمًا وفقهًا». وهي كلها أحاديث صحاح.
وقال مجاهد عن ابن عباس: رأيت جبرئيل عند النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحبه ويدنيه ويقربه ويشاوره مع أجلة الصحابة. وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان قئول وقلب عقول. وروى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس لو أدرك أسناننا ما عاشره منا رجل.
وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس، إلا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي مثل هذا عن القاسم بن محمد. قال طاوس: أدركت نحو خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذاكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجًا معه ابن عباس فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم.
وروى شريك، عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق أنه قال: كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت: أجمل الناس. فإذا تكلم قلت: أفصح الناس. وإذا تحدث قلت: أعلم الناس.
وذكر الحلواني، قال: حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش حدثنا شقيق أبو وائل، قال: خطبنا ابن عباس، وهو على الموسم، فافتتح سورة النور فجعل يقرأ ويفسر فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، ولو سمعته فارس، والروم، والترك، لأسلمت.
قال: وحدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن شقيق مثله.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس: الحلال والحرام والعربية والأنساب. وأحسبه قال: والشعر.
وقال أبو الزناد، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: ما رأيت أحدًا كان أعلم بالسنة، ولا أجل رأيًا ولا أثقب نظرًا من ابن عباس ولقد كان عمر يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين.
وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلًا قط، وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه وكان أصحابه يسمونه البحر ويسمونه الحبر.
قال عبد الله بن أبي بن أبي زيد الهلالي:
ونحن ولدنا الفضل والحبر بعده ** عنيت أبا العباس ذا الفضل والندى

وقال أبو عمرو بن العلاء: نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه غالبًا عليه، فقال: من هذا الذي برع الناس بعلمه، ونزل عنهم بسنه قالوا: عبد الله بن عباس، فقال فيه أبياتًا منها:
إني وجدت بيان المرء نافلةً ** تهدى له ووجدت العي كالصمم

والمرء يفنى ويبقى سائر الكلم ** وقد يلام الفتى يومًا ولم يلم

وفيه يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
إذا ما ابن عباسٍ بدا لك وجهه ** رأيت له في كل أحواله فضلا

إذا قال لم يترك مقالًا لقائلٍ ** بمنتظماتٍ لا ترى بينها فصلا

كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ** لذي إربةٍ في القول جدًّا ولا هزلا

سموت إلى العليا بغير مشقةٍ ** فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا

خلقت خليقًا للمودة والندى ** فليجًا ولم تخلق كهاما ولا جهلا

ويروى أن معاوية نظر إلى ابن عباس يومًا يتكلم فأتبعه بصره، وقال متمثلًا:
إذا قال لم يترك مقالًا لقائلٍ ** مصيبٍ ولم يثن اللسان على هجر

يصرف بالقول اللسان إذا انتحى ** وينظر في أعطافه نظر الصقر

وروى أن عبد الله بن صفوان بن أمية مر يومًا بدار عبد الله بن عباس بمكة فرأى جماعة من طالبي الفقه ومر بدار عبيد الله بن عباس فرأى فيها جماعة ينتابونها للطعام فدخل على ابن الزبير. فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر:
فإن تصبك من الأيام قارعة ** لم نبك منك على دنيا ولا دين

قال: وما ذاك يا أعرج؟ قال: هذان ابنا عباس، أحدهما يفقه الناس والآخر يطعم الناس فما أبقيا لك مكرمة فدعا عبد الله بن مطيع. وقال: انطلق إلى ابني عباس فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين: اخرجا عني، أنتما ومن أصغى إليكما من أهل العراق وإلا فعلت وفعلت. فقال عبد الله بن عباس لابن الزبير: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان. رجل يطلب فقهًا. ورجل يطلب فضلًا فأي هذين تمنع؟ وكان بالحضرة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، فجعل يقول:
لا در در الليالي كيف تضحكنا ** منها خطوب أعاجيب وتبكينا

ومثل ما تحدث الأيام من عبرٍ ** في ابن الزبير عن الدنيا تسلينا

كنا نجيء ابن عباس فيسمعنا ** فقهًا ويكسبنا أجرًا ويهدينا

ولا يزال عبيد الله مترعةً ** جفانه مطعمًا ضيفًا ومسكينا

فالبر والدين والدنيا بدارهما ** ننال منها الذي نبغي إذا شينا

إن النبي هو النور الذي كشطت ** به عمايات ماضينا وباقينا

ورهطه عصمة في دينه لهم ** فضل علينا وحق واجب فينا

ففيم تمنعنا منهم وتمنعهم ** منا وتؤذيهم فينا وتؤذينا

ولست بأولاهم به رحما ** يا بن الزبير ولا أولى به دينا

لن يؤتي الله إنسانًا ببغضهم ** في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا

وكان ابن عباس رضي الله عنهما قد عمي في آخر عمره. وروى عنه أنه رأى رجلًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال له رسول الله عليه وسلم: «أرأيته»؟ قال: نعم. قال: «ذلك جبرئيل، أما إنك ستفقد بصرك»، فعمي بعد ذلك في آخر عمره، وهو القائل في ذلك فيما روي عنه من وجوه:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ** ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخلٍ ** وفي فمي صارم كالسيف مأثور

يروى أن طائرًا أبيض خرج من قبره فتأولوه علمه خرج إلى الناس. ويقال: بل دخل قبره طائر أبيض وقيل: إنه بصره في التأويل.
وقال الزبير: مات ابن عباس بالطائف، فجاء طائر أبيض فدخل في نعشه حين حمل فما رؤي خارجًا منه.
شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه وعبد الله وقثم ابنا العباس ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب. والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب.
قرأت على أحمد بن قاسم أن محمد بن معاوية حدثهم قال: حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا الحجاج بن محمد، عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب وناس يأتون لأيام الحرب ووقائعها وناس يأتون للعلم والفقه ما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما شاءوا.